فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضَرًا}.
سبب نزولها: أن أهل مكة قالوا: يا محمد، ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو، فتشتري فتربح، وبالأرض التي تريد أن تُجدب، فترتحل عنها إلى ما قد أخصب؟ فنزلت هذه الآية، روي عن ابن عباس.
وفي المراد بالنفع والضر قولان:
أحدهما: أنه عامّ في جميع ما ينفع ويضر، قاله الجمهور.
والثاني: أن النفع: الهدى، والضَّر: الضلالة، قاله ابن جريج.
قوله تعالى: {إلا ما شاء الله} أي: إلا ما أراد أن أملكه بتمليكه إياي؛ ومن هو على هذه الصفة فكيف يعلم علم الساعة؟.
قوله تعالى: {ولو كنت أعلم الغيب} فيه أربعة أقوال:
أحدها: لو كنت أعلم بجدب الأرض وقحط المطر قبل كون ذلك لهيَّأت لسنة الجدب ما يكفيها، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: لو كنت أعلم ما أربح فيه إذا اشتريته لاستكثرت من الخير، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح، قاله مجاهد.
والرابع: لو كنت أعلم ما أسأل عنه من الغيب لأَجبت عنه.
{وما مسني السوء} أي: لم يلحقني تكذيب، قاله الزجاج.
فأما الغيب: فهو كل ما غاب عنك.
ويخرج في المراد بالخير هاهنا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه العمل الصالح.
والثاني: المال.
والثالث: الرزق.
قوله تعالى: {وما مسنيَ السوء} فيه أربعة اقوال.
أحدها: أنه الفقر، قاله ابن عباس.
والثاني: أنه كل ما يسوء، قاله ابن زيد.
والثالث: الجنون، قاله الحسن.
والرابع: التكذيب، قاله الزجاج.
فعلى قول الحسن، يكون هذا الكلام مبتدأ، والمعنى: وما بي من جنون إنما أنا نذير، وعلى باقي الأقوال يكون متعلقًا بما قبله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا} أي لا أملك أن أجلب إلى نفسي خيرًا ولا أدفع عنها شرًا؛ فكيف أملك عِلم الساعة.
وقيل: لا أملك لنفسي الهدى والضلال.
{إِلاَّ مَا شَاءَ الله} في موضع نصب بالاستثناء.
والمعنى: إلا ما شاء الله أن يملكني ويمكنني منه.
وأنشد سيبويه:
مهما شاء بالناس يفعل

{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الغيب لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخير} المعنى لو كنت أعلم ما يريد الله عز وجل مني من قبل أن يعرِّفنِيه لفعلته.
وقيل: لو كنت أعلم متى يكون لي النصر في الحرب لقاتلت فلم أغلب.
وقال ابن عباس: لو كنت أعلم سنة الجدب لهيأت لها في زمن الخصب ما يكفِيني.
وقيل: المعنى لو كنت أعلم التجارة التي تنفق لاشتريتها وقت كسادها.
وقيل: المعنى لو كنت أعلم متى أموت لاستكثرت من العمل الصالح؛ عن الحسن وابن جُريج.
وقيل: المعنى لو كنت أعلم الغيب لأجَبْتُ عن كل ما أُسألُ عنه.
وكله مراد، والله أعلم.
{وَمَا مَسَّنِيَ السواء إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} هذا استئناف كلام، أي ليس بي جنون؛ لأنهم نسبوه إلى الجنون.
وقيل: هو متصل، والمعنى لو علمتُ الغيب لما مسّني سوءٌ ولحذِرت، ودل على هذا قوله تعالى: {إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعالى: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا}.
قال ابن عباس: إن أهل مكة قالوا يا محمد ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري به فتربح فيه عند الغلاء وبالأرض التي يريد أن تجدب فترحل عنها إلى ما قد أخصبت فأنزل الله: {قل لا أملك} أي قل يا محمد لا أملك ولا أقدر لنفسي نفعًا أي اجتلاب نفع بأن أربح فيما أشتريه ولا ضرًا يعني ولا أقدر أن أدفع عن نفسي ضرًا نزل بها بأن أرتحل إلى الأرض الخصبة وأترك الجدبة {إلا ما شاء الله} يعني أن أملكه وأقدر عليه {ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير} يعني ولو كنت أعلم وقت الخصب والجدب لاستكثرتُ من المال {وما مسني السوء} يعني الضر والفقر والجوع.
وقال ابن جريج: معناه لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا من الهدى والضلالة ولو كنت أعلم الغيب يريدون وقت الموت لاستكثرت من الخير يعني من العمل الصالح.
وقيل إن أهل مكة لما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الساعة أنزل الله تعالى الآية وهذه الآية ومعناه: أنا لا أدعي علم الغيب حتى أخبركم عن وقت قيام الساعة وذلك لما طالبوه بالإخبار عن الغيوب فذكر أن قدرته قاصرة عن علم الغيب.
فإن قلت: قد أخبر صلى الله عليه وسلم عن المغيبات وقد جاءت أحاديث في الصحيح بذلك وهو من أعظم معجزاته صلى الله عليه وسلم فكيف الجمع بينه وبين قوله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير؟
قلت: يحتمل أن يكون قاله صلى الله عليه وسلم على سبيل التواضع والأدب والمعنى لا أعلم الغيب إلا أن يطلعني الله عليه ويقدره لي.
ويحتمل أن يكون قال ذلك قبل أن يطلعه الله على الغيب فلما أطلعه الله أخبر به كما قال تعالى: {فلا يظهر على غيبة أحدًا إلا من ارتضى من رسول} أو يكون خرج هذا الكلام مخرج الجواب عن سؤالهم ثم بعد ذلك أظهره الله سبحانه وتعالى عن أشياء من المغيبات فأخبر عنها ليكون ذلك معجزة له ودلالة على صحة نبوته صلى الله عليه وسلم وقوله وما مسنى السوء يعني الجنون وذلك أنهم نسبوه إلى الجنون وقيل معناه ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من تحصيل الخير واحترزت عن الشر حتى أصير بحيث لا يمسني السوء ويل معناه ولو كنت أعلم الغيب لأعلمتكم بوقت قيام الساعة حتى تؤمنوا وما مسني السوء يعني قولكم لو كنت نبيًا لعلمت متى تقوم الساعة {إن أنا إلا نذير} يعني ما أنا إلا رسول أرسلني الله إليكم أنذركم وأخوفكم عقابه إن لم تؤمنوا {وبشير} يعني وأبشر بثوابه {لقوم يؤمنون} يعني يصدقون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله}.
قال ابن عباس: قال أهل مكة ألا يخبرك ربك بالسعر الرخيص قبل أن يغلو فتشتري وتربح وبالأرض التي تجدب فترحل عنها إلى ما أخصب فنزلت، وقيل لما رجع من غزوة المصطلق جاءت ريح في الطريق فأخبرت بموت رفاعة وكان فيه غيظ المنافقين، ثم قال انظروا أين ناقتي، فقال عبد الله بن أبيّ: ألا تعجبون من هذا الرجل يخبر عن موت رجل بالمدينة ولا يعرف أين ناقته، فقال عليه السلام إن ناسًا من المنافقين قالوا كيت وكيت وناقتي في الشعب وقد تعلق زمامها بشجرة فردوها على فنزلت، ووجه مناسبتها لما قبلها ظاهر جدًّا وهذا منه عليه السلام إظهار للعبودية وانتفاء عن ما يختص بالربوبية من القدرة وعلم الغيب ومبالغة في الاستسلام فلا أملك لنفسي اجتلاب نفع ولا دفع ضر فكيف أملك علم الغيب كما قال في سورة يونس {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين قل لا أملك لنفسي ضرًا ولا نفعًا إلا ما شاء الله لكل أمة أجل} وقدم هنا النفع على الضرّ لأنه تقدم من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فقدّم الهداية على الضلال وبعده لاستكثرت من الخير وما مسّني السوء فناسب تقديم النفع وقدم الضرّ في يونس على الأصل لأن العبادة لله تكون خوفًا من عقابه أولًا ثم طمعًا في ثوابه ولذلك قال: {يدعون ربهم خوفًا وطمعًا} فإذا تقدم النفع فلسابقة لفظ تضمنه وأيضًا ففي يونس موافقة ما قبلها ففيها {ما لا يضرّهم ولا ينفعهم} {ما لا ينفعنا ولا يضرّنا} لأنه موصول بقوله: {ليس لها من دون الله ولي ولا شفيع} وإن تعدل كل عدل لا يؤخذ منها وفي يونس {ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك} وتقدمه {ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقًا علينا ننجي المؤمنين} وفي الأنبياء قال: {أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئًا ولا يضركم} وتقدمه قول الكفار لإبراهيم في المحاجّة {لقد علمت ما هؤلاء ينطقون} وفي الفرقان {ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم} وتقدمه {ألم تر إلى ربك كيف مدّ الظل} ونعم كثيرة وهذا النوع من لطائف القرآن العظيم وساطع براهينه والاستثناء متصل أي إلا ما شاء الله من تمكيني منه فإني أملكه وذلك بمشيئة الله، وقال ابن عطية: وهذا الاستثناء منقطع انتهى، ولا حاجة لدعوى الانقطاع مع إمكان الاتصال.
{ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} أي لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير واستغزار المنافع واجتناب السوء والمضارّ حتى لا يمسّني شيء منها وظاهر قوله: {ولو كنت أعلم الغيب} انتفاء العلم عن الغيب على جهة عموم الغيب كما روي عنه لا أعلم ما وراء هذا الجدار إلا أن يعلمنيه ربي بخلاف ما يذهب إليه هؤلاء الذين يدعون الكشف وأنهم بتصفية نفوسهم يحصل لها اطلاع على المغيبات وإخبار بالكوائن التي تحدث، وما أكثر ادعاء الناس لهذا الأمر وخصوصًا في ديار مصر حتى أنهم لينسبون ذلك إلى رجل متضمّخ بالنجاسة يظلّ دهره لا يصلي ولا يستنجي من نجاسته ويكشف عورته للناس حين يبول وهو عار من العلم والعمل الصالح وقد خصص قوم هذا العموم فحكى مكي عن ابن عباس: لو كنت أعلم السنة المجدبة لأعددت لها من المخصبة، وقال قوم: أوقات النصر لتوخيتها، وقال مجاهد وابن جريج: لو كنت أعلم أجلي لاستكثرت من العمل الصالح، وقيل: ولو كنت أعلم وقت الساعة لأخبرتكم حتى توقنوا، وقيل: ولو كنت أعلم الكتب المنزلة لاستكثرت من الوحي، وقيل: ولو كنت أعلم ما يريده الله مني قبل أن يعرفنيه لفعلته، وينبغي أن تجعل هذه الأقوال وما أشبهها مثلًا لا تخصيصات لعموم الغيب والظاهر أن قوله: {وما مسني السوء} معطوف على قوله: {لاستكثرت من الخير} فهو من جواب {لو} ويوضح ذلك أنه تقدم قوله: {قل لا أملك لنفسي نفعًا ولا ضرًا} فقابل النفع بقوله: {لاستكثرت من الخير} وقابل الضرّ بقوله: {وما مسني السوء} ولأنّ المترتب على تقدير علم الغيب كلاهما وهما اجتلاب النفع واجتناب الضرّ ولم نصحب ما النافية جواب لو لأن الفصيح أن لا يصحبهما كما في قوله تعالى: {ولو سمعوا ما استجابوا لكم} والظاهر عموم الخبر وعدم تعيين {السوء}، وقيل: السوء تكذيبهم له مع أنه كان يدعي الأمين، وقيل: الجدب، وقيل: الموت، وقيل: الغلبة عند اللقاء، وقيل: الخسارة في التجارة، وقال ابن عباس: الفقر وينبغي أن تجعل هذه الأقوال خرجت على سبيل التمثيل لا الحصر فإن الظاهر في الغيب الخير والسوء عدم التعيين، وقيل: ثم الكلام عند قوله: {لاستكثرت من الخير} ثم أخبر أنه ما مسّه السّوء وهو الجنون الذي رموه به، وقال مؤرّج السدوسي: {السوء} الجنون بلغة هذيل وهذا القول فيه تفكيك لنظم الكلام واقتصار على أن يكون جواب لو {لاستكثرت من الخير} فقط وتقدير حصول علم الغيب يترتب عليه الأمران لا أحدهما فيكون إذ ذاك جوابًا قاصرًا.
{إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} لما نفى عن نفسه علم الغيب أخبر بما بعث به من النذارة ومتعلقها المخوفات والبشارة ومتعلقها بالمحبوبات والظاهرة تعلقهما بالمؤمنين لأن منفعتهما معًا وجدوا هما لا يحصل إلا لهم وقال تعالى: {وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون} وقيل معنى {لقوم يؤمنون} يطلب منهم الإيمان ويدعون إليه وهؤلاء الناس أجمع، وقيل: أخبر أنه نذير وتمّ الكلام ومعناه أنه نذير للعالم كلهم ثم أخبر أنه بشير للمؤمنين به فهو وعد لمن حصل له الإيمان، وقيل حذف متعلق النذارة ودلّ على حذفه إثبات مقابله والتقدير نذير للكافرين وبشير لقوم يؤمنون كما حذف المعطوف في قوله: {سرابيل تقيكم الحرّ} أي والبرد وبدأ بالنذارة لأن السائلين عن الساعة كانوا كفارًا أما مشركو قريش وأما اليهود فكان الاهتمام بذكر الوصف من قوله: {إن أنا إلا نذير} آكد وأولى بالتقديم والله تعالى أعلم. اهـ.